تأثير الذكريات العاطفية على صحة العقل والجسد
فهم آليات التكيف والتغلب عليها
بقلم / منة الله محمد محمود
تعتبر الذكريات العاطفية جزءاً أساسياً من حياتنا، فهي تشكل تجاربنا ومشاعرنا وتأثر بشكل كبير على صحتنا العقلية والجسدية، فعندما نعيش تجارب عاطفية قوية، قد تبقى هذه الذكريات محفورة في أعماقنا وتؤثر على حالتنا العامة. ولذا، من المهم فهم آليات التكيف والتغلب على تأثير هذه الذكريات للحفاظ على صحتنا. جميعنا لدينا العديد من الذكريات العاطفية سواء كانت إيجابية أو سلبية، وهي بلا شك تؤثر على صحتنا العقلية والنفسية. فعلى سبيل المثال، قد تسبب الذكريات السلبية لحظات الإحباط والحزن والخيبة، وتزيد من مستويات القلق والاكتئاب. بالمقابل، تعزز الذكريات الإيجابية السعادة والرضا وتحفيز الطاقة الإيجابية فينا. تعتبر الذكريات العاطفية جزءاً طبيعياً من حياة الإنسان، ولا يمكننا تجنب تشكلها، ومع ذلك، يمكننا تعلم كيفية التعامل معها بشكل صحيح للحفاظ على صحتنا.
تشير الدراسات العلمية إلى أن هناك آليات محددة يعمل بها العقل والجسم للتكيف والتغلب على الذكريات العاطفية، على سبيل المثال يقوم الدماغ بعملية تسمى "إعادة التفعيل" حيث يقوم بإعادة إحياء الذكريات العاطفية واستحضار الأحداث المرتبطة بها، يمكن أن تكون هذه العملية مفيدة للتعامل مع الذكريات السلبية، حيث يمكن للفرد أن يتعلم التعامل معها بشكل أفضل ويكتسب مهارات للتغلب عليها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكيف العقلي أن يلعب دوراً هاماً في التعامل مع الذكريات العاطفية، يشمل ذلك تغيير الاتجاه العقلي والتركيز على الجوانب الإيجابية والتعلم من التجارب السابقة، بواسطة تشكيل رؤية إيجابية للمستقبل وتحديد الأهداف واتخاذ خطوات صغيرة نحو تحقيقها، يمكن للفرد أن يقوّى قدرته على التغلب على الذكريات العاطفية السلبية وتقليل تأثيرها على حالته النفسية.
من ناحية أخرى، لا يمكن أن ننسى أهمية الدعم الاجتماعي في التعامل مع تأثير الذكريات العاطفية، فالتواصل مع الأشخاص الآخرين ومشاركة تجاربنا ومشاعرنا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على صحتنا العقلية والنفسية، يمكن أن يوفر الدعم الاجتماعي الدعم العاطفي والمشورة والتشجيع، مما يساعدنا على التكيف مع الذكريات العاطفية العميقة والتغلب على تأثيرها. كما يمكن للعمل الجسدي أن يلعب دوراً مهماً في التغلب على الذكريات العاطفية. فالنشاط البدني مثل ممارسة التمارين الرياضية أو اليوغا أو المشي يمكن أن يقلل من التوتر ويحسن المزاج ويعزز الشعور بالراحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد التركيز على الجسم والحواس في تحويل الانتباه عن الذكريات العاطفية السلبية وتحقيق توازن شامل بين العقل والجسم.
تعتبر التقنيات العقلية والعاطفية واحدة من الطرق الفعالة للتكيف والتغلب على الذكريات العاطفية السلبية، فمن خلال ممارسة التأمل والاسترخاء، يمكن للفرد تهدئة العقل وتحقيق السلام الداخلي، يمكن استخدام التقنيات العاطفية مثل التنفس العميق والتأمل في الصور الإيجابية لتحفيز الإحساس بالراحة والسعادة والتخلص من التوتر العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب العلاقات الإيجابية دوراً كبيراً في التغلب على الذكريات العاطفية السلبية. عندما نكون محاطين بالأشخاص الذين يدعموننا ويساعدوننا على التعامل مع تلك الذكريات يمكننا أن نشعر بالأمان والراحة.
بالطبع، لا يمكننا تجاهل الأهمية البالغة للمساعدة المهنية في بعض الحالات. قد يحتاج البعض إلى مساعدة من خبراء في الصحة النفسية مثل الأطباء والمعالجين النفسيين للتعامل مع الذكريات العاطفية الصعبة، تقنيات مثل العلاج النفسي والعلاج السلوكي المعرفي يمكن أن تكون فعالة في تعزيز التكيف والتغلب على الصعوبات العاطفية. علاوة على ذلك، تأثير الذكريات العاطفية على الجسد لا يمكن تجاهله، فعندما نعيش ذكريات عاطفية قوية يمكن أن تؤثر على صحتنا الجسدية بشكل مباشر. فمثلاً، يمكن أن يزيد التوتر العاطفي من مستويات هرمونات الإجهاد في الجسم، مما يؤثر على نظام المناعة ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض. لذا، من المهم أن نقوم بممارسة تقنيات إدارة الضغط مثل التمارين الرياضية المنتظمة والتغذية الصحية والنوم الجيد للحفاظ على صحة جسدنا أثناء تعاملنا مع الذكريات العاطفية.
توضح هذه النقاط أن الذكريات العاطفية لها تأثير كبير على صحتنا النفسية والجسدية، ولكن، فهم آليات التكيف والتغلب على تأثير هذه الذكريات سيساعدنا في التحكم بكيفية تأثيرها عليها. من خلال التوجيه العقلي الإيجابي والتركيز على الجوانب الإيجابية والاستفادة من الدعم الاجتماعي والعمل الجسدي، يمكننا تعزيز صحتنا العقلية والجسدية والتغلب على التحديات العاطفية العميقة. لذا، دعونا نتعلم كيف ندير الذكريات العاطفية ونستفيد منها لبناء حياة أكثر صحة وسعادة.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن الذكريات العاطفية جزء لا يتجزأ من حياتنا ولا يمكننا التخلص من تأثيرها بالكامل، إنها تشكل جزءاً من تجاربنا ونمونا الشخصي، وقد تحمل دروساً قيمة لنا، بدلاً من محاولة تجاهلها أو التخلص منها، يجب أن نسعى لفهمها وتقبلها والتعامل معها بشكل صحيح، من خلال الاستفادة من التقنيات العاطفية والدعم الاجتماعي والمساعدة المهنية إذا لزم الأمر، يمكننا بناء نفسية قوية وتعزيز صحتنا العامة.



